سقوط برشلونة في الكلاسيكو...

أفضل درس يقدمه الكلاسيكو دائما للعالم وللبشرية هو المساواة. حيث لكلا الفريقين الحق في طلب الفوز بالمباراة. نعم، فكيف ما كان مستوى الفريقين قبل الكلاسيكو، وكيف ما كانت حالة الفريق أو نتائجه، عند صافرة بداية أي كلاسيكو تتساوى كفة الفريقين لمدة 90 دقيقة.  
الاختلاف الوحيد بين الفريقين هو كيف يرى اللاعبون المباراة، بطبيعة الحال ريال مدريد يرى المباراة مسألة حياة أو موت. الموت لا، إن خسر الريال فسيبتعد بخمس نقاط عن البارسا في المنافسة الوحيدة المتبقية حسابيا للريال. الحياة نعم، سيتصدر الريال بفارق نقطة واحدة، والفوز سيعطي دفعة معنوية خيالية لمواجهة السيتي مما يعني إمكانية ضرب عصفورين بحجر واحد، الاستقرار في الليغا وعودة الأمل والطموح في دوري الأبطال. لو فكر أي لاعب في ريال مدريد بهذه الحوافز أزد إليها عدم الفوز بالبرنابيو على البارسا في الليغا منذ أكتوبر 2014، سيخرج جاهزا إلى الحرب بأي ثمن. 
في المقابل، كطاقم تقني للبارسا لن تجد ما تستعرضه من حوافز للاعبين، هل ستقول لهم من أجل الحفاظ على الصدارة، لتوسيع الفارق مع الريال، للاستمرار في سلسلة النتائج الايجابية في البرنابيو، لاهداء الفوز لديمبيلي وسواريز، أم أرجوكم إنه أول كلاسيكو لي كمدرب وأريد أن أفوز به ؟ الهدف الوحيد المتبقي هو دافع عدم الخسارة أمام ريال مدريد وهذا يعد حافزا جماهيريا فقط وليس حافزا عقلانيا للاعبين. 
تجسدت كل هذه الافكار على أرض الواقع بمجرد انطلاق المباراة وبدا واضحا الرغبة والاصرار على ريال مدريد. لو أجرى أي متابع لكرة القدم إطلالة على دكة الفريقين، سيجزم أن برشلونة سيخسر دون أدنى شك في الشوط الثاني الذي هو شوط المدربين ليس بسبب سيتين ولكن بسبب الاختيارات الموجودة. مما يعني أن برشلونة مطالب بالفوز في الشوط الأول لعل و عسى كأقصى تقدير يخرج متعادلا من المعركة. لا شك أن سيتين دخل بأفضل تشكيلة ممكنة أو بالأحرى متوفرة لديه. فكرة اللعب بأربعة لاعبين وسط ميدان هي فكرة جيدة لمقاومة اندفاع ريال مدريد في الثلث الهجومي. نجح هذا التكتيك في الشق الدفاعي، خاصة في الهجمات المنظمة، ورغم بعض الهفوات في الهجمات المرتدة إلا أن وسط الميدان كان مترابطا بوجود فيدال. النقطة السلبية في هذا التكتيك هي في الشق الهجومي، فيدال لم يعتد أبدا اللعب بهكذا مركز، حيث لم يجد نفسه في الأمام لا هو قادر على التوغل من الجوانب ولا هو معتاد على اللعب كرأس حربة وهمي فظل ضائعا، بالاضافة لعدم تفوقه في استلام الكرة تحت الضغط. رغم هذه الثغرة التكتيكية، التي بدى من الواضح أن سيتين تفطن بها، استطاع برشلونة بإنهاء الشوط الأول متكافئا مع الريال  في الفرص السانحة للتسجيل وكأننا في مباراة كرة السلة.  
في الشوط الثاني، وكأن زيدان أعاد تذكير لاعبيه بأنه لا يتبقى لديهم سوى 45 دقيقة على قيد الحياة مما يعني القتال حتى آخر رمق. فبعد الخمس حتى العشر دقائق الأولى من تحكم البارسا في زمام المباراة، انقلبت الطاولة وشن الريال هجوما حاصر فيه برشلونة. إلا أن البارسا كان تكتيكيا متماسكا حتى أخرج سيتين فيدال وأدخل الوافد الجديد بريثوايت الذي كاد أن يدخل تاريخ الكلاسيكو من أوسع الأبواب من خلال هجمة وشبه انفراد لم يكن فعالا بما فيه الكفاية. تغيير فيدال يفهم على أن اللاعب أصبح يضيع كرات بالجملة ولا يساهم بالشكل المطلوب في الهجوم، الأمر الغير المفهوم هو عدم قدرة لاعب كبريثوايت أداء الواجبات الدفاعية. لو أعدتم لقطة الهدف الأول، ستجدون أن بنزيما سحب سيميدو الذي كان سدا منيعا في جهته ليترك المساحة لفينسيوس للتحرك فيها في ظهر المدافعين، ومن كان مطالبا بالتغطية في تلك اللقطة هو بريثوايت الذي سهل مأمورية التمرير على كروس  ومأمورية التحرك لفينسيوس. لو تعاد نفس اللقطة بفيدال بدلا من بريثوايت لكانت النهاية مختلفة. كان من الأفضل التضحية بلاعب مهاجم في الأصل لم يقم بأي إضافة غريزمان على إخراج لاعب وسط يجيد التغطية الدفاعية على الدور الهجومي الجديد عليه. بعد الهدف كان من الواضح والمتوقع أن ينهار برشلونة وأن لا يستطيع المقاومة أو التعديل لغياب الحلول والأوراق الرابحة ولنقل أن المباراة انتهت حينها. يتبقى الاشارة إلى أن الفرق التي تستطيع فصل ميسي عن الفريق، في استمرار إصرار الفريق بأكمله للتمرير لميسي،  تقلص بشكل كبير من حظوظ برشلونة في الفوز أو حتى في التسجيل إلا اذا كان ميسي في فورما غير عادية. الأمر الغير ممكن حدوثه في كل كلاسيكو أو في كل مباراة. وسيكون بالامكان برشلونة الفوز في مثل هذه المباريات كلما قل الاعتماد على ميسي فقط وبدأ التركيز على المجموعة والمنظومة الهجومية بأكملها.
على العموم، برشلونة تكتيكيا كان حاضرا وهذا أمر طالما انتظره وطالب به المشجعون في عهد فالفيردي مما يعد تحسنا. ولحسن الحظ أن الخسارة تجعله يبتعد فقط بنقطة واحدة عن الغريم ولازالت الليغا تحتفظ بكل أسرارها إن استفاد الطاقم التقني من أخطاء اليوم للتصحيح في المستقبل المهم باقي مباريات الليغا والأهم دوري الأبطال.
هيثم البقيوي. 

Comments